الرهبنة الفرنسيسكانية بمصر، إقليم الأخوة الأصاغر

دستور في “الليترجيّا المقدّسة”

0

دستور في “الليترجيّا المقدّسة”
 

– مقدمة عامة-

 

تتطرّق هذه الوثيقة إلى أمرين حيويين في الكنيسة: الصلاة الطقسيّة والعبادة، اللذَيْن هما محورا العلاقة بالله. ونظراً إلى خطورة هذه المسالة، استهلّ الآباء أبحاثهم المجمعيّة بدراستها، وذلك بناءً على طلبٍ شخصيّ من قداسة البابا يوحنا الثالث والعشرين، فحققوا من خلالها الكثير من المكاسب في مجالات الإصلاح والتجدد، اللذين يهدف إليهما المجمع في سعيه الدؤوب لِمُواكبةِ العصر والاستجابة لمتطلّبات المؤمن الروحيّة في أيامنا الحاضرة.

قلب هذا الدستور المفاهيمَ التي سادت قبل المجمع، فبعد أن الكاهن محورَ الاحتفال الليتورجيّ، أمسى الشعبُ، بفضل هذه الوثيقة، قلبَ الحياة الليتورجية، واستعادَ الكاهن دوره الأصيل كخادمٍ لشعبِ الله، فقام على هذه الأسس المتينة ما يُعرَف بلاهوت شعب الله ومسؤوليّاته وكهنوته. “أما أنتم فجيلٌ مختار، كهنوت ملوكيّ، أمّة مقدسة، وشعب مقتنى” (1بط 2: 9). وقد أدّى هذا التوضيح إلى السماح باستخدام اللغات الحية المتداولة في زمننا الحاضر، التي تؤمّن اشتراك جمهور المؤمنين اشتراكاً فعّالاً في صلاة الكنيسة وعباداته، كما سمح بالتناول تحت الشكلين، ذي المدلول الكبير على الصعيدين اللاهوتي والمسكوني.

عاد السر الفصحيّ، بما له من أبعادٍ روحية، إلى واجهة الحياة الليتورجيّة فانعكست هذه الرؤية على العبادة، والإفخارستيا، والفرض الإلهي بأكمله. فنتج عن إبراز سرّ المسيح الفصحي هذا، عودةٌ إلى الشركة الجماعيّة في الاحتفال الإفخارستي تؤكّد وحدة ذبيحة المسيح، التي عاشها الرب مع تلاميذه في عشائه الأخير أوّلاً، وتممّها على الصليب بعد ذلك، ويجدّده بروحه، وبطريقةٍ مختلفة، كلّما احتفلت الكنيسة بالذبيحة الإلهية.

وبفضل هذا التجدد عينه، زال التمسّك الحرفي “بالروبريكات”، وشاعت الروح الليتورجية الحقة.

في الدورة الأولى، عند مناقشة مشروع الدستور “الليتورجيا”، حصلت المواجهة بين الليتورجيا اللاتينية والليتورجيا الشرقية، هذه المواجهة التي أدّت إلى تعزيز المفاهيم الليتورجية الأساسية: التنوّع في الوحدة، لاهوت الكنائس المحلّية، تساوي العلمانيين الذي يشتركون في الكأس الواحدة… فلمّا عاد الآباء في الدورة الثانية إلى متابعة أبحاثهم، فازت هذه الوثيقة بموافقة أكثريّة الأساقفة، فأُقِرّت بعد الاقتراع النهائي عليها في الرابع من كانون الأول 1963. 

توطئة

 

4001 -1- إذ كان المجمع المقدّس يعمل على تنمية الروح المسيحيّة يوماً فيوماً عند المؤمنين، وعلى جعل المؤسّسات القابلة التغيير أكثر انسجاماً وروح العصر، وعلى تنشيط كلّ ما من شأنه أن يسهم في توحيد جميع المؤمنين بالمسيح، وتقوية كلّ ما يساعد على دعوة جميع البشر إلى حضن الكنيسة، فهو يرى أنه يرجع إليه بوجه خاص أمر إحياء الليترجيّا وتطويرها.

 

الليترجيّا في سرّ الكنيسة

 

4002 -2- فالليترجيّا التي “يجري بها عمل فدائنا”(1)، ولا سيّما في ذبيحة الإفخارستيّا الإلهيّة، تساعد أعظم المساعدة على أن يعبّر المؤمنين بسيرة حياتهم ويفصحوا للآخرين عن سرّ المسيح وعن أصالة طبيعة الكنيسة الحقيقية التي تمتاز بكونها إنسانيّةً وإلهيّةً معاً، منظورةً وحافلةً بحقائق غير منظورة، حارّةً في العمل ومسترسلةً إلى التأمل، حاضرة في العالم مع أنّها عنه نازحة. وهكذا فالإنسانيّ فيها منتظم في الإلهيّ وخاضع له، وما هو منظور خاضع لغير المنظور، وما هو من العمل خاضع للتأمل، وما هو حاضر موجّة إلى المدينة الآتية التي نسعى إليها(2) وبما أنّ اللّيترجيّا تقوم كلّ يوم ببناء من هم في الدّاخل هيكلاً مقدّساً في الربّ، مسكناً لله في الروح(3)، إلى مقدار قامة ملء المسيح(4)، فهي تعاضد قواهم بطريقة عجيبة لكي يبشروا بالمسيح، وهكذا تجلّي الكنيسة للذين في الخارج رايةً منصوبةً في الأمم(5)، يجتمع تحتها أبناء الله المفرّقون في الوحدة(6) إلى أن تكون رعيّة واحدة وراع واحد(7).

 

الدّستور وشتّى الطّقوس

 

4003 -3- لأجل ذلك يرى المجمع المقدّس أنّه لا بدّ، في سبيل تطوير الليترجيّا وإحيائها، من التّذكر بالمبادئ التالية، ومن إقامة القوانين العمليّة.

في هذه المبادئ وهذه القوانين طائفة يمكن ويجب تطبيقها على الطّقس الرّومانيّ وعلى سائر الطّقوس، وإن كانت القوانين العمليّة التالية تعتبر عانيةً الطقس الرومانّي دون سواه، هذا لم يكن هنالك من طبيعة الأشياء نفسها ما يجعلها تتناول الطّقوس الأخرى أيضاً.

 

4004 -4- ثمّ إنّ المجمع المقدّس، مراعياً التقليد في أمانة، يعلن أنّ الكنيسة الأمّ المقدّسة تعتبر جميع الطّقوس المعترف بها شرعاً متساويةً في الحقوق والكرامة، وتريد للمقبل من الأيّام أن تحافظ عليها وتعزّز شأنها بجميع الطرائق، وهو يرغب في ما تدعو الحاجة إليه من إعادة النظر الشاملة فيها، على أن يكون ذلك في فطنة وفي تقيّد بروح التقليد الصحيح، وفي أن تبثّ حيويّة جديدة وفاقاً لمقتضيات الأيام الحاضرة وأحوالها.

ـــــــــــــ

1- الصلاة السريّة للأحد التاسع بعد العنصرة.

2- راجع عبرانييّن 13 : 14.

3- راجع أفسس 2 : 21 – 22.

4- راجع أفسس 4 : 13.

5- راجع أشعيا 11 : 12.

6- راجع يوحنّا 11 : 52.

7- راجع يوحنّا 10 : 16.

Leave A Reply